بقلم : فيصل الزوداني (*)
تعد الشراكة إطارا لحشد التعاون والتضامن لتحقيق أهداف مجتمعية عامة. وبالنظر إلى كونها أسلوبا يمكن من إشراك الفاعلين المؤمنين بالعمل على تحقيق هذه الأهداف كل حسب قدراته الحقيقية، فإنها تعد كذلك وسيلة لتنسيق إسهامات كل هؤلاء الفاعلين من أجل تحقيق نفس تلك الأهداف، وهو ما يسمح بالتداول في شأن صنع القرار مع توسيع قاعدة الاختيارات وتجديد وتنويع المبادرات. وهذا يفترض التوافق على أهداف محددة بشكل جماعي واختيار نسق ملائم للتدبير مع تحديد دور الفاعلين ، وكذا تنويع وتنسيق التمويلات فضلا عن إحداث بنيات وسيطة تمكن من تحقيق جودة الحوار الهادف (1) .
وفي ارتباطها بمجال التربية والتكوين فإن الشراكة التربوية ترادف الإسهام الإنمائي لفاعلين من محيط منظومة التربية والتكوين، في كل الاختيارات النوعية والكمية الكفيلة بالنهوض بالنظام التربوي إلى المستوى المطلوب، وذلك من خلال الاضطلاع بالمهام والاختصاصات المحددة بمقتضى النصوص القانونية والمنوطة بمختلف الفاعلين المباشرين وغير المباشرين في تثمين مكتسبات النظام التربوي وتطويرها والمساهمة في المجهود المجتمعي المستثمر في مجالات التربية (2) . وعليه، فإن انتهاج الشراكة في مجال التربية والتكوين والبحث العلمي يعد إطارا ناظما لكل المبادرات التي تستهدف الارتقاء بسيرورة المنظومة التربوية بأبعادها ومكوناتها وأنساقها المختلفة.
ومن بين أبرز المجالات التي تبرز الحاجة فيها إلى عقد شراكات تربوية مجال التوجيه التربوي، إذ يتطلب الارتقاء بهذا المكون الأساس لمنظومة التربية والتكوين تعبئة مختلف الفاعلين والمتدخلين التربويين بل وحتى الاجتماعيين والاقتصاديين، وذلك من أجل الانخراط في المجهود المبذول لمساعدة المتعلمين على بلورة اختياراتهم ومشاريعهم الشخصية الدراسية والتكوينية والمهنية بما يمكنهم من الاندماج في الحياة الاجتماعية والعملية.
وبالنظر إلى أن التربية ممارسة واعية ومسؤولية جماعية أخذا بعين الاعتبار تعدد المتدخلين وتباين أدوارهم، والتي من بينها مساعدة المتعلم على التوجيه عبر مواكبة سيرورة إرسائه لمشروعه الشخصي، فإنه بات من الضروري بلورة هكذا انشغال في صيغة شراكات أو في صيغ أخرى من التعاقدات والتي تضمن بشكل تام انخراط والتزام جميع الفاعلين والمتدخلين في مجال التوجيه التربوي، سيما في ظل الرهانات والتحديات التي تواجه منظومة التربية والتكوين والتي من أبرزها الإكراهات المرتبطة بالتوزيع الجغرافي والتباينات بين مختلف الجهات وضعف حكامة بنيات التوجيه التربوي ومؤسسات التربية و التكوين.
تبرز قيمة الشراكة في كونها مدخل من مداخل رفع الرهانات والانتظارات التي لها ارتباط وثيق بنظام التوجيه والإعلام والاستشارة، وعلى رأسها تحقيق ملاءمة أفضل للمدرسة وحاجات المحيط الاقتصادي والاجتماعي، مع ما يتطلب ذلك من مراجعة لوظيفة التوجيه داخل المنظومة، وإعادة التوازن بين المسالك التقنية (3)، إضافة إلى تقوية التنسيق بين مختلف الفاعلين بهدف التوظيف الناجع للكفاءات والإمكانات والموارد والبنيات مما يجعل من الشراكة آلية لتدبير التنسيق في انفتاح على متطلبات المحيط الاقتصادي والاجتماعي.
ومن أمثلة الشراكات التي لها ارتباط وثيق بالتوجيه تلك الصيغة من التعاقدات التي نص عليها الميثاق الوطني للتربية والتكوين بخصوص مواكبة توجيه التلاميذ نحو اكتساب التخصص المهني عن طريق التمرس والتكوين بالتناوب، حيث نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين في المادة 51 و المادة 52 على تنظيم هذا النمط من التكوين بموجب اتفاقيات للشراكة بين المقاولات ومؤسسات التربية والتكوين، بحيث يتم تشجيعها وتطويرها على جميع المستويات، من المدرسة الإعدادية إلى التعليم العالي، باعتبار الشراكة إطارا لانخراط المقاولات في التأطير والتكوين ولكون هذه الأخيرة طرفا فاعلا في التكوين وفضاء له .
ويبقى من المأمول أن يتم توثيق جسور انفتاح كل مؤسسات التربية والتكوين والبحث العلمي، وأن يتم العمل على تسريع وتيرة ملائمة مخرجات هذه المنظومة مع محيطها ببعديه الاقتصادي والاجتماعي. والحال أن هكذا طموح يتطلب تعبئة حقيقية وشاملة في إطار اتخاذ المبادرات، مع العمل على بلورتها في صيغة شراكات حقيقية أساسها التعاون والتثمين بما من شأنه تجويد عرض التوجيه وتوسيع قاعدة ولوج المتعلم للمعلومة بشكل يتيح له المضي قدما في إرساء مشاريعه الشخصية والمهنية .
(*) : إطار تربوي وإداري .(1) و (2) : الدليل المرجعي لمبادرات الشراكة بقطاع التربية الوطنية ، من إصدارات مديرية الشؤون القانونية والمنازعات.
(3) : التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم 2008،